الحــج.. منافـع للدين والدنيـا ( 1 )

فى الحج وأركانه وواجباته وسننه،
منافع ومقاصد عليا، تحتاج إلى إمعان
النظر لاستنباط المعانى السامية
والحكم الراقية لمشروعيته،
فهو الركن الخامس من أركان الإسلام،
وفيه يتجلى الكثير من مقاصد
وأحكام الشريعة الغراء،
ومع أنه فريضة تعبدية إلا أنه ذاخر
بالمنافع والمقاصد الأخروية والدنيوية،
مصداقا لقوله تعالى:
«وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً
وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق،
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ»
(الحج 28:27).

يرى الدكتور عطية مصطفى،
أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية
بجامعة الأزهر، أن من منافع الحج
وفوائده، تعلم الأخذ بالتيسير
فى فعل الطاعات والعبادات والمعاملات،
«وذلك نتعلمه من أن النبيَّ
صلى الله عليه وسلم، أمر المسلمين
بالتيسير فى قوله:
«بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا»،
ومن المعلوم أن المشقة تجلب التيسير.

ويوضح أن التيسير فى أفعال الحج تجلَّى
فى حجة الوداع، إذ أخرج البخارى ومسلم،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ،
رضى الله عنهما،
«أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلى الله عليه وسلم،
وَقَفَ فِى حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ
يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ:
لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟
فَقَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ:
لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ:
ارْمِ وَلَا حَرَجَ. فَمَا سُئِلَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ
قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ».
ويتابع أن هذا التيسير سار فى بقية العبادات،
كما روى أحمد وأبو داود والنسائى
وابن ماجه -واللفظ له- وابن خزيمة
والحاكم، عن عثمان بن أبى العاص،
رضى الله عنه، قال:
«كان آخر ما عَهِدَ إليَّ
النبيُّ صلى الله عليه وسلم
حين أمَّرنى على الطائف قال لي:
يَا عُثْمَانُ! تَجَاوَزْ فِى الصَّلَاةِ،
وَاقْدُرِ النَّاسَ بِأَضْعَفِهِمْ؛
فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَالصَّغِيرَ، وَالسَّقِيمَ،
وَالْبَعِيدَ، وَذَا الْحَاجَةِ».

ثقافة التيسير

ويطالب الدكتور عطية بنشر
ثقافة التيسير فى الأخذ بالفتاوى
فى جميع مجالات الحياة، ما لم
يكن إثما، إعلانًا لمبادئ وسطية
أمتنا التى أخبر عنها الحق سبحانه
فى القرآن إذ قال:
«وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا
شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ
عَلَيْكُمْ شَهِيداً»،
فما أحوجنا إلى أن نتخذ التيسير
فى أداء مناسك الحج،
الذى أقره النبى صلى الله عليه وسلم،
منهاجا ونبراسا فى حياتنا،
يساعدنا على أداء العبادات
والطاعات وفعل الخيرات،
بل فى المعاملات، فى سهولة ويسر،
دون تشدد أو تطرف.

ويطوف الشيخ أحمد ربيع الأزهرى،
من علماء الأزهر وأئمة وزارة الأوقاف،
حول مقاصد ومنافع الحج قائلا:
بالإضافة لمقصدى التعبد والتقوى،
فكل ركن يؤسس لمقاصد، فمن
الإحرام نأخذ مقاصد الطهارة
والتجرد والتزام الحدّ وتعظيم العورة،
كما أن فى الطواف، صدق التوجه
بالطواف حول بيتٍ وربٍ ومنهجٍ،
والاتساق مع الكون، فيطوف
عكس عقارب الساعة كبقيته؛
ليُبرهن على أن المكون واحد،
فتتحقق مقاصد اليقين والتصديق
والانقياد لرب العالمين.