ننتظر تسجيلك هـنـا


العودة   منتدى احساس القوافي > •][• منتديات الملتقى الاسلامي •][• > •₪• نفحات من السنة النبوية •₪•

•₪• نفحات من السنة النبوية •₪• سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته المطهره والدفاع عنه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 13-06-2024, 02:50 AM
نور غير متواجد حالياً
 
 عضويتي » 2
 جيت فيذا » Sep 2022
 آخر حضور » اليوم (08:21 AM)
آبدآعاتي » 129
الاعجابات المتلقاة » 0
الاعجابات المُرسلة »
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » نور is on a distinguished road
مشروبك  » مشروبك
قناتك   » قناتك
 
افتراضي قصص الإخوة والأخوات في القرآن (خطبة)

Facebook Twitter


ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:



فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



أيها المسلمون، سمعنا قبل مدة زمنية غير بعيدة أن أخًا قتل أخاه ظلمًا وعدوانًا، متناسيًا بفعلته هذه أنهما جاءا من صلب واحد ورحم واحد، وتربيا في بيت واحد، وكانا في صغرهما يلعبان ويتبادلان الضحكات والأنس معًا، ويتقاسمان ما يلم بأحدهما من فرح أو ترح.



وهذه الحادثة في عصرنا الحاضر ليست الأولى ولا الأخيرة من نوعها بأن يقتل الأخ أخاه الشقيق، أو أخاه من أبيه أو من أمه، بل هناك قصص مشابهة.



غير أن هذا العدوان على ذوي القربى بكثرةٍ أمرٌ غريب عن القرون الماضية، وإنما ظهر وازداد في العقود المتأخرة؛ ولعله مصداق ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي موسى رضي الله عنه بقوله: ((إن بين يدي الساعة لهرجًا، قال: قلت: يا رسول الله، ما الهرج؟ قال: القتل... يقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته)) [2].



عباد الله، لقد ذكر لنا القرآن الكريم خبرين عن الإخوة والأخوات: خبرًا عن إخوة ظلم بعضهم بعضًا، وخبرًا عن إخوة أحسن بعضهم إلى بعض إحسانًا عظيمًا.



فأما الخبر الأول فقد ذكر الله فيه قصتين:

القصة الأولى: قصة ابني آدم؛ قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [المائدة: 27 - 31].



أرأيتم معشر المسلمين ما في هذا المشهد من مأساة؟ كيف تحول الأخ القاتل إلى وحش كاسر لا يريد إلا تلبية رغباته العدوانية الجامحة، فقد حمله حسده وحقده على معصية ربه وإغضابه، وإبكاء والديه وغمهما، وقطع رحمه بالاعتداء على شقيقه بالقتل ظلمًا وعدوانًا.



أي نفس تلك التي استطاع ضميرها أن يأذن لها بأن تحمل آلة القتل لتُفنيَ شقيقها الذي حملته معها بطن واحدة؟



في هذه القصة ذكر الله تعالى أن آدم عليه السلام كان له ولدان، وكان أحدهما يقال له: هابيل، والآخر يقال له: قابيل، فقربا قربانًا لله تعالى، فتقبل الله من هابيل؛ لكونه صالحًا متقيًا، ولم يتقبل من قابيل؛ لكونه لم يكن كذلك، فماذا حدث بعد هذا؟



لقد اغتم قابيل لهذا، وانقدحت في نفسه نار الغضب، واشتعلت بالحسد على أخيه، فولَّد ذلك في صدره البغض والحقد وإرادة الانتقام، والعزم على إنهاء حياة أخيه، حتى توعده بالقتل بلا تردد.



أما هابيل فإنه لما رأى عزم أخيه على قتله، أخبره بأنه لا ذنب له فيما جرى، غير أن تقواه هي سبب قبول قربانه، وبيَّن له دليلًا آخر على تقواه بأنه لن يقدم على قتل قابيل؛ لكونه يخاف الله تعالى، ووعظه أيضًا بأنه إن أقدم على قتله فإنه سيحمل وزره مع وزره، ويكون مصيره نار جهنم، لكن هذه الكلمات الواعظة لم تجد طريقها إلى قلب قابيل؛ لأن سبل قلبه قد سدت بركام الحسد الشديد؛ فلهذا لم تنفع معه الموعظة.



فسهلت لقابيل نفسه المتخمة بالحقد قتل أخيه بلا ممانعة، ففعل جريمته الكبرى، وبها سجل على نفسه أول جريمة قتل في تاريخ البشرية، فسنَّ سنة سيئة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)) [3].



فعلى أخيه جنى بدون مخافة
للهِ أو عطفٍ على أبويه
واستلَّ من قلب حسودٍ بغيَهُ
فقضى به يوم الشقاء عليهِ
أين النُّهى والخوف من رب الورى؟
يا ويلَه يوم الوقوف لديه


أيها المسلمون، والقصة الثانية في القرآن لعدوان الأخ على أخيه: قصة يوسف عليه السلام مع إخوته.



فقد كان ليوسف منزلة عظيمة في قلب أبيه النبي يعقوب عليه السلام؛ لما امتاز به من الخلال الحميدة على سائر إخوته، ثم إنه رأى رؤيا تحكي ما ينتظره من علو المنزلة في الدنيا والآخرة، قصها على أبيه، فحذره أن يخبر إخوته برؤياه؛ لعلمه بشدة حسدهم له، فلو بلغهم خبر النعمة هذا، لازدادوا له حسدًا.



لكن غليان الحسد ازداد بمرور الأيام في قلوب إخوة يوسف، فدبروا مؤامرة للتخلص منه؛ ليصفو لهم قلب أبيهم بالحب، وليبرد وهج أفئدتهم المتقدة بحسد يوسف.



فطلبوا من أبيهم أن يأذن ليوسف بالخروج ليلعب ويستريح معهم، فأذن لهم يعقوب بأخذه على تردد وخوف، وأوصاهم بحفظه.



وقد كانت مؤامرتهم تقضي بقتله، ثم عدلوا عن ذلك واتفقوا على إبعاده عن أبيهم بإلقائه في الجب.



ثم رجعوا إلى أبيهم بعد خروجه معهم وكذبوا عليه بأن الذئب قد أكله، فعرف يعقوب عليه السلام أنهم كاذبون، فصبر صبرًا جميلًا.



قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 4، 5] إلى قوله تعالى: ﴿ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].



عباد الله، ثم إن يوسف عليه السلام باعه إخوته لجماعة من المسافرين، أو وجده أولئك الركب في البئر فباعوه لعزيز مصر، فبقي في بيت العزيز سنوات، حتى راودته امرأة العزيز، فلما تمنع منها اتهمته بمراودتها؛ فأُدخل السجن فبقي فيه بضع سنين.



فلما ظهرت براءته من التهمة وعُرف علمه بتعبير الرؤى، اصطفاه ملك مصر ليجعله من خلصائه، فطلب منه يوسف أن يجعله على خزائن مصر؛ لينفع الناس بوظيفته، فأعطاه الملك ما طلب.



ثم مرت الأيام واشتدت حاجة إخوة يوسف فجاؤوا إلى مصر أيام ولاية يوسف فتصدق عليهم وأحسن إليهم قبل أن يعرفوه، ثم عرفهم بنفسه، فاعترفوا له بالفضل، وندموا على ما فعلوا معه، فعفا عنهم، ثم أمرهم أن يأخذوا قميصه إلى أبيه، فرجعوا به إليه فعاد إليه بصره بعدما عمي، ثم طلب منهم يوسف أن ينتقلوا إلى مصر، فأكرمهم ورفع شأنهم، فخروا له ساجدين: أبواه وإخوته الأحد عشر، فحصل تأويل رؤياه التي رآها بعدما صار إلى شرف النبوة والولاية.



أيها الأحباب الكرام، وفي هذه القصة من العبر في موضوع الإخاء:

أن جناية الأخ على أخيه أعظم من الجناية على غيره، وهي أبقى أثرًا، وأعظم خطرًا، وأكثر ضررًا؛ قال الشاعر:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على المرء من وقع الحسام المهنَّدِ



ومن العبر: أن إخوة يوسف بفعلهم هذا قد آذوا أباهم أيما إيذاء، فحزن حزنًا شديدًا، وبكى واشتد بكاؤه حتى ذهب بصره؛ قال تعالى: ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 84 - 86]، ومن العبر كذلك: أن على الأخ ألَّا يستجيب لحقده وحسده وكراهيته لأخيه فيؤذيه ويقطع صلته به؛ فإن الزمان قد يلجئه إلى أخيه، فيحتاج إلى مساعدته ووقوفه بجانبه، وقد رأيتم كيف احتاج إخوة يوسف إليه وقالوا له في ذل وانكسار: ﴿ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ [يوسف: 88]، وقالوا: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 91].



ومن العبر أيضًا: أن يوسف عليه السلام بعد كل ما جرى له بسبب إخوته: من غم البئر وخوفه، وذل الرق وقهره، وضيق السجن وكربه، وفراق الوالدين وحزنه، وألم جناية إخوته عليه، مع ذلك كله لما صار أمر إخوته إليه، وأضحوا أذلاء بين يديه، لم ينتصر لنفسه فيعاقب إخوته، بل ظهر منه سمو الأخلاق، وعاطفة القربى، والصبر الجميل على ما أصابه، فماذا فعل مع إخوته؟



لقد عفا عنهم عفو الكريم القادر فقال لهم: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92]، وكافأهم وأزال حاجتهم فقال: ﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [يوسف: 93]، وترفع عن ذكر الماضي المظلم، فذكر السجن ولم يذكر الجب، وجرد نفسه عن نسبة الإحسان إليهم فنسبه إلى الله، وجعل ما حصل له من جناية إخوته من نزغ الشيطان بينهم، فقال: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ [يوسف: 100]، فهل رأيتم عفوًا وكرمًا أخويًّا أعظم من هذا، فأين أمثال يوسف عند الاختلاف الأخوي؟



عباد الله، لقد اتفقت القصتان: قصة ابني آدم، وقصة يوسف مع إخوته على شيء واحد كان سبب عدوان الأخ على أخيه، هذ الشيء هو الحسد.



إن الحسد صفة ذميمة لا تحملها النفوس الكريمة، ولا تتخلق بها إلا النفوس الذميمة التي نقص حظها من الإيمان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... ولا يجتمع في جوف عبدٍ الإيمانُ والحسد)) [4].



ولا شك أن هذا الداء بوابة الآثام، ومنطلق الجرائم، والداعي إلى قطع الصلات، وارتكاب الخطيئات؛ فهو الذي منع إبليس من السجود لآدم فباء إبليس بغضب الله ولعنته، وهو الذي حمل قابيل على قتل أخيه هابيل، فأصبح قابيل من الخاسرين، وهو الذي دعا إخوة يوسف لجريرتهم معه، ألا فليحذر الأقارب أن يدب بينهم داء الحسد؛ فعقوبته عظيمة، وعاقبته وخيمة.



فيا أيها المسلم، احذر أشد الحذر من حسد أخيك - شقيقًا كان أم لأب أم لأم - وتجنب عداوته وقطيعته، وتصديق الوشاة فيه؛ فجرح القريب لا يندمل سريعًا.



وإياك والبخل عليه بما أعطاك الله، وإهانته وإذلاله، وظلمه وأخذ حقه.



واحذر أن تظلم أختك في ميراثها، أو تقطع صلتها وزيارتها، أو تترك الوقوف بجانبها عند حاجتها إليك.



وإن كان لك إخوة من أبيك، فإياك إياك أن تعاديهم وتحقد عليهم؛ خشية من مشاركتهم لك في تركة والدك، أو انتصارًا لغيرة أمك على ضرتها وأولادها؛ فإن ذلك كله يغضب أباك.



ونقول للآباء والأمهات: ازرعوا في نفوس أولادكم حب بعضهم بعضًا، وقوة الصلة بينهم، وإياكم أن تكونوا سببًا لعداوة أولادكم والشقاق بينهم، ألا فاعدلوا بينهم، واحذروا الميل إلى بعضهم؛ فإن ذلك يربي في نفوس الآخرين الحقد عليكم وعليهم، وأوصوهم بأن يكونوا لحمة واحدة، وعلى قلب واحد؛ حتى يبقوا أعزة متحابين.



دعا أكثم بن صيفي أولاده عند موته، فاستدعى بضِمامة من السهام - يعني: حُزمة منها - وتقدم إلى كل واحد أن يكسرها، فلم يقدر أحد على كسرها، ثم بددها وتقدم إليهم أن يكسروها، فاستسهلوا كسرها، فقال: "كونوا مجتمعين؛ ليعجز من ناوأكم عن كسركم كعجزكم".



إن القِداح إذا اجتمعن فرامها
بالكسر ذو حرَدٍ وبطشٍ أيِّدِ
عزَّتْ فلم تُكسر وإن هي بُدِّدتْ
فالوهن والتكسير للمتبدِّد[5]

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

أيها المسلمون، كم من أخ أسدى لأخيه معروفه، وأناله من أسباب السعادة ما أناله! وهذا مثال للأخ الصالح، ففي خبر الإخوة الصالحين والأخوات الصالحات ذكر الله تعالى قصتين في القرآن:

القصة الأولى: قصة أخت موسى مع موسى عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 10 - 13]، فتأملوا فيما قدمته أخت موسى لموسى عليه السلام، لقد وصل موسى بالتابوت إلى قصر فرعون، وكانت أم موسى على يقين من حياة ابنها، فأرسلت أخته للبحث عن مستقره ومعرفة خبره، فتتبعت أثره حتى وجدته في بيت فرعون، فرأته عن بُعْدٍ وهم لا يشعرون أنها أخته، ووجدتهم يبحثون عن مرضع له، فتلطفت لهم في الخطاب الحذر، ودلتهم على مرضع له وبيت يكفله، فوافقوا فرجعت به إلى بيت أمها.



أرأيتم كيف نفعت الأخت أخاها وأُسْرَتها كلها؟ لقد كانت سببًا لإدخال السعادة عليهم بعد أن خيم الحزن عليهم بفقد وليدهم.



إنها الأخت يا عباد الله، تحن على أخيها وتشفق عليه، وتسعى في مصلحته، وربما ضحت بزوجها وولدها من أجله؛ لأن الأخ لا يعوض، وأما الزوج والولد فيعوضان.



قيل لامرأة أسرَ الحجاجُ زوجَها وابنها وأخاها: اختاري واحدًا منهم - يعني: لنعفو عنه - فقالت: الزوج موجود، والابن مولود، والأخ مفقود، أختار الأخ! فقال الحجاج: عفوت عن جماعتهم [6].



فالله الله في أخواتكم معشر المسلمين، أحسنوا إليهن وأكرموهن، وصِلوهن وزورهن، وارحموهن وساعدوهن، وقوموا على رعايتهن وأنفقوا عليهن متى احتجن وقدرتم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن، فله الجنة)) [7].



أيها الفضلاء، والقصة الثانية في نفع الأخ أخاه كما ذكر القرآن الكريم: قصة موسى مع أخيه هارون عليهما السلام.



فقد أرسل الله تعالى موسى نبيًّا، فأحب موسى لأخيه هارون الخير، فسأل الله أن يرسله معه نبيًّا كذلك، يستعين به في دعوة فرعون؛ قال تعالى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 29 - 36].



الله أكبر! إنه مهما قدم الأخ لأخيه من نفع في هذه الحياة، فلن يستطيع أن ينفعه كما نفع موسى أخاه هارون، فأي نعمة في هذه الحياة فوق نعمة النبوة؟



ولئن كان نفع أخت موسى لموسى، ونفع موسى لهارون في حال الحياة، فهناك من تنفع أخاها أو ينفع أخاه بعد الموت، ولو بالثناء عليه وذكر مآثره؛ فقد خلد الأدب العربي ذكر مالك بن نويرة برثاء أخيه متمم له، وبقي ذكره بذلك محفوظًا في ذاكرة الأيام، فقد كان متمم إذا مر على قبر، تذكر أخاه مالكًا فبكى، فَلِيمَ على ذلك، فقال:

لقد لامني عند القبور على البكا
رفيقي لتِذراف الدموع السَّوافكِ
فقال: أتبكي كل قبر رأيته
لقبرٍ ثوى بين اللِّوى والدكادكِ
فقلت له: إن الأسى يبعث الأسى
ذروني، فهذا كله قبر مالكِ[8]

وهذه الخنساء تماضر بنت عمرو لم يبقَ ذكر أخيها صخر إلا بكثرة قصائدها الرثائية فيه، ومن ذلك قولها:

وإن صخرًا لتأتم الهداة به *** كأنه عَلَمٌ في رأسه نارُ



فيا عباد الله، تمسكوا بإخوانكم وأخواتكم، أدوا إليهم حقوقهم، وانصروهم في الحق، وأحبوهم، وتعاونوا معهم، وصلوهم وادعوا لهم، وقفوا معهم في مشكلاتهم، واحترموهم وبجِّلوهم، وكونوا دائمي التفقد لأحوالهم، وأفضلوا عليهم مما أعطاكم الله، ولا تتركوهم في عناء وعندكم قدرة على إزالة عنائهم، وإذا رأيتموهم على خطأ واعوجاج فلا تغفلوا عن نصحهم بالكلمة الطيبة، ولا تغفلوا عن تربية الصغير منهم، ولا عن توقير الكبير؛ فإن للأخ الكبير حقًّا من التوقير؛ فعن ابن عباس قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال: ابدؤوا بالكبير)) [9].



وتذكروا أن الأخ للأخ قوة وسند، وحصن ومعتمد، ومؤنس ورفيق، ومفرج عنه عند الضيق:

أخاك أخاك، إن من لا أخا له
كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ
وإن أخ الإنسان فاعلم جناحه
وهل ينهض البازي بغير جناحِ
هذا وصلوا على خير البشر.


المواضيع المتشابهه:




رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.